فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {وَإِذِ اعتزلتموهم}: {إذ} منصوبٌ بمحذوف، أي: وقال بعضُهم لبعضٍ وقتَ اعتزالِهم. وجَوَّز بعضُهم أَنْ تكونَ {إذ} للتعليل، أي: فَأْووا إلى الكهفِ لاعتزاِلكم إياهم، وهو قولٌ مَقُولٌ لكنَّه لا يَصِحُّ.
قوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ} يجوز في {ما} ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ مقدرٌ، أي: واعْتَزَلْتُم الذي يعبدونه. و{إلا الله} يجوز فيه أن يكونَ استثناءً متصلًا، فقد رُوي أنهم كانوا يعبدون اللهَ ويُشْرِكون به غيرَه، ومنقطعًا، فقد رُوي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط. والمستثنى منه يجوز أن يكونَ الموصولَ، وأن يكون عائدَه، والمعنى واحد.
والثاني: أنها مصدريةٌ، أي: واعتزلتُمْ عبادَتهم، أي: تركتموها. و{إلا اللهَ} على حَذْفِ مضاف، أي: إلا عبادةَ اللهِ. وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان.
الثالث: أنها نافيةٌ، وأنَّه مِنْ كلامِ الله تعالى، وعلى هذا فهذه الجملةُ معترضةٌ بين أثناءِ القصةِ وإليه ذهب الزمخشري. و{إِلاَّ الله} استثناءٌ مفرغٌ أخبر الله عن الفتنةِ أنَّهم لا يعبدون غيرَه. وقال أبو البقاء: والثالث: أنها حرفُ نفيٍ فيخرج في الاستثناء وجهان، أحدهما: هو منقطعٌ، والثاني: هو متصلٌ، والمعنى: وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا اللهََ. قلت: فظاهرُ هذا الكلامِ: أن الانقطاعَ والاتصالَ في الاستثناءِ مترتبان على القولِ بكون {ما} نافيةً، وليس الأمرُ كذلك.
قوله: {مِرْفَقا} قرأ بكسرِ الميمِ وفتحِ الفاءِ الجمهورُ. ونافع وابنُ عامر بالعكس، وفيهما اختلافٌ بين أهلِ اللغة، فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما يَرْتَفَقُ به، وليس بمصدرٍ. وقيل: هو بالكسر في الميم لليد، وبالفتح للأمر، وقد يُسْتَعْمل كلُّ واحدٍ منهما موضعَ الآخر، حكاه الأزهري عن ثعلبٍ. وأنشد الفراءُ جمعًا بين الغتين في الجارِحَة:
3131- بِتُّ أُجافي مِرْفقًا عن مَرْفقِ

وقيل: يُسْتعملان معًا في الأمرِ وفي الجارحة، حكاه الزجاج.
وحكى مكي، عن الفراء أنه قال: لا أعرِفُ في الأمر ولا في اليد ولا في كل شيءٍ إلا كسرَ الميمِ.
قلت: وتواترُ قراءةِ نافعٍ والشاميين يَرُدُّ عليه. وأنكر الكسائيُّ كسرَ الميم في الجارحة، وقال: لا أعرفُ فيه إلا الفتحَ وهو عكسُ قولِ تلميذِه، ولكن خالفه أبو حاتم، وقال: هو بفتح الميم: الموضعُ كالمسجد. وقال أبو زيد: هو بفتح الميم مصدرٌ جاء على مَفْعَل وقال بعضهم: هما لغتان فيما يُرْتَفَقُ به، فأمَّا الجارِحَةُ فبكسرِ الميمِ فقط. وحُكي عن الفرَّاء أنَّه قال: أهلُ الحجاز يقولون: {مَرْفقا} بفتح الميم وكسرِ الفاءِ فيما ارتفقْتَ به، ويكسِرون مِرْفَق الإِنسان، والعربُ بعدُ يَكْسِرون الميمَ منهما جميعًا. وأجاز معاذ فتحَ الميم والفاءِ، وهو مصدرٌ كالمَضْرَبِ والمَقْتَلِ.
و{مِّنْ أَمْرِكُمْ} متعلَّقُ بالفعلِ قبلَه، و{مِنْ} لابتداءِ الغايةِ أو للتعيض. وقيل: هي بمعنى بَدَلَ، قاله ابن الأنباريِّ وأنشد:
3132- فليت لنا مِنْ ماءِ زمزمِ شَرْبَةً ** مُبَرَّدَةً باتَتْ على طَهَيانِ

أي: بَدَلًا. ويجوز أن يكونَ حالًا من {مِرْفَقًا} فيتعلَّقَ بمحذوفٍ.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.
قوله تعالى: {تَّزَاوَرُ}: قرأ ابن عامر: {تَزْوَرُّ} بزنةِ تَحْمَرُّ، والكوفيون {تَزَاوَرُ} بتخفيفِ الزايِ، والباقون بتثقِيلها. ف {تَزْوَرُّ} بمعنى تميل من الزَّوَر وهو المَيَلُ، وزاره بمعنى مال إليه، وقول الزُّور: مَيّلٌ عن الحق، ومنه الأَزْوَرُ وهو المائلُ بعينه وبغيرها. قال عمر بن أبي ربيعة:
3133-............................. ** وجَنْبي خِيفة القوم أَزْوَرُ

وقيل: تَزْوَرُّ بمعنى تَنْقَبِضُ مِنْ ازْوَرَّ، أي: انقبضَ. ومنه قولُ عنترة:
3134- فازْوَرَّ مَنْ وَقَعَ القَنا بلَبانِه ** وشكا إليَّ بعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ

وقيل: مال. ومثلُه قولُ بِشْر بن أبي خازم:
3135- يَؤُمُ بها الحداةُ مياهَ نَخْلٍ ** وفيها عن أبانَيْنِ ازْوِرارُ

أي: مَيْلٌ.
وأما {تزاوَرُ} و{تَّوازَرُ} فأصلهما تَتَزاوَرُ بتاءين، فالكوفيون حذفوا إحدى التائين، وغيرُهم أَدْغم، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في {تَظَاهَرون} و{تَساءلون} ونحوِهما. ومعنى ذلك الميل أيضًا.
وقرأ أبو رجاء والجحدري وابن أبي عبلة وأيُّوب السُّختياني {تَزْوَارُّ} بزنة تَحْمارُّ. وعبد الله وأبو المتوكل {تَزْوَئِرُّ} بهمزةٍ مكسورةٍ قبل راءٍ مشددة، وأصلُها {تَزْوارُّ} كقراءة أبي رجاء ومَنْ معه، وإنما كَرِهَ الجمعَ بين الساكنين، فأبدل الألفَ همزةً على حدِّ إبدالها في {جَأَنّ} و{الضَّأَلِّين}. وقد تقدَّم تحقيقُه أولَ هذا التصنيف أخرَ الفاتحة.
و{إِذَا طَلَعَت} معمولٌ لـ: {تَرَى} أو لـ: {تَزَاوَرُ}، وكذا {إِذَا غَرَبَت} معمولٌ للأولِ أو للثاني وهو {تَقْرضهم}. والظاهرُ تمحُّضُه للظرفيةِ، ويجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً.
ومعنى {تَقْرِضُهم} تَقْطَعهُم لا تُقَرِّبهم، لأنَّ القَرْضَ القَطْعُ، من القَطِيعةِ والصَّرْم. قال ذو الرمة:
3136- إلى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أقْواز مُشْرِفٍ ** شِمالًا، وعن أَيْمَانِهِنَّ الفوارِسُ

والقَرْضُ: القَطْعُ. وتقدَّم تحقيقُه في البقرة. وقال الفارسي: معنى {تَقْرِضُهم}: تُعْطيهم مِنْ ضوئِها شيئًا ثم تزولُ سريعًا كالقَرْضِ يُسْتَرَدُّ. وقد ضُعِّف قولُه بأنه كان ينبغي أن يُقرأ: {تُقْرِضُهم} بضم التاء لأنه مِنْ أَقْرض.
وقرئ: {يَقْرِضهم} بالياء مِنْ تحتُ، أي: الكهف، وفيه مخالَفَةٌ بين الفعلين وفاعلِهما، فالأَوْلى أن يعودَ على الشمس ويكون كقوله:
3137-................................ ** ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقالَها

وهو قولُ ابنِ كَيْسان.
و{ذات اليمين} و{ذات الشِّمال} ظرفا مكانٍ بمعنى جهةِ اليمين وجهةِ الشِّمال.
قوله: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} جملةٌ حاليةٌ، أي: نفعلُ هذا مع اتساع مكانِهم، وهو أعجبُ لحالِهم، إذ كان ينبغي أَنْ تصيبَهم الشمسُ لاتِّساعِه. والفَجْوَةُ: المُتَّسَعُ، من الفَجا، وهو تباعدُ ما بين الفَخْذَين. يقال: رجلٌ أَفْجَى وامرأة فَجْواء، وجمع الفَجْوَة فِجاءٌ كقَصْعَة وقِصاع.
قوله: {ذلك} مبتدأٌ مُشار به إلى جميعِ ما تقدم مِنْ حديثهم. و{من آياتِ الله} الخبرُ. ويجوز أن يكونَ {ذلك} خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: الأمرُ ذلك. و{مِنْ آيَاتِ الله} حالٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}.
العزلةُ عن غير الله توجِبُ الوصلة بالله. بل لا تحصل الوصلةُ بالله إلا بعد العُزْلَةِ عن غير الله.
ويقال لما اعتزلوا ما عَبِدَ من دون الله آواهم الحقُّ إلى كنف رعايته، ومهد لهم مثوىً في كهف عنايته.
ويقال مَنْ تبرَّأ مِنَ اختياره في احتياله، وصَدَقَ رجوعه إلى الله في أحواله، ولم يستَعِنْ- بغير الله- من أشكاله وأمثاله آواه إلى كَنَفِ أفضاله، وكفاه جميعَ أشغاله، وهَّيأ له مَحَلًا يتفيؤ فيه بَرْدِ ظِلالِه، بكمالِ إقباله.
قوله جلّ ذكره: {وَتَرىَ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ}.
كانوا في ُتَّسَعٍ من الكهف، ولكن كان شعاعُ الشمس لا ينبسط عليهم مع هبوب الرياح عليهم.
ويقال أنوار الشمس تتقاصر وتتصاغر بالإضافة إلى أنوارهم.
إن نورَ الشمس ضياءُ يستضيءُ به الخَلْقُ، ونور معارفهم أنوار يُعْرَف بها الحق، فهذا نور يظهر في الصورة، وهذا نور يلوح في السريرة. وبنور الشمس يدرك الخلْق وبنورهم كانوا يعرفون الحق.
وفي قوله- عَزَّ اسمه: {ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ} فيه دلالة على أن في الأمر شيئًا بخلاف العادة، فيكون من جملة كرامات الأولياء؛ ويحتمل أن يكون شعاعُ الشمسِ إذا انتهى إليهم ازورَّ عنهم، ومضى دونَهم بخلاف ما يقول أصحاب الهبة، ليكونَ فعلًا ناقضًا للعادة فلا يبعد أن يقال إن نور الشمس يُسْتَهْلَكُ في النور الذي عليهم.
قوله جلّ ذكره: {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}.
فاللَّه يهْدِي قومًا بالأدلةِ والبراهين، وقومًا بكشف اليقين؛ فمعارفُ الأولين قضية الاستدلال، ومعارف الآخرين حقيقة الوصال، فهؤلاء مع برهان، وهؤلاء على بيان كأنهم أصحاب عيان:
{وَمَن يُضْلِلِِ اللَّهُ}: أي مَنْ وَسَمه بِسِمَةِ الحرمان فلا عرفانَ ولا علمَ ولا إيمان. اهـ.

.تفسير الآية رقم (18):

قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نبه سبحانه هذا التنبيه تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتثبيتًا أن يبخع نفسه، عطف على ما مضى بقية أمرهم فقال: {وتحسبهم أيقاظًا} لانفتاح أعينهم للهواء ليكون أبقى لها، ولكثرة حركاتهم {وهم رقود ونقلبهم} بعظمتنا في حال نومهم تقليبًا كثيرًا بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم {ذات} أي في الجهة التي هي صاحبة {اليمين} منهم {وذات الشمال} لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث {وكلبهم باسط} وأعمل اسم الفاعل هذا، لأنه ليس بمعنى الماضي بل هو حكاية حال ماضية فقال: {ذراعيه بالوصيد} أي بباب الكهف وفنائه كما هي عادة الكلاب، وذكر هذا الكلب على طول الآباد بجميل هذا الرقاد من بركة صحبة الأمجاد.
ولما كان هذا مشوقًا إلى رؤيتهم، وصل به ما يكف عنه بقوله تعالى: {لو اطلعت عليهم} وهم على تلك الحال {لوليت منهم فرارًا} أي حال وقوع بصرك عليهم {ولملئت} في أقل وقت بأيسر أمر {منهم رعبًا} لما ألبسهم الله من الهيبة، وجعل لهم من الجلالة، وتدبيرًا منه لما أراد منهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}.
اعلم أن معنى قوله: {وَتَحْسَبُهُمْ} على ما ذكرناه في قوله: {وَتَرَى الشمس} [الكهف: 17] أي لو رأيتهم لحسبتهم {أَيْقَاظًا} وهو جمع يقظ ويقظان قاله الأخفش وأبو عبيدة والزجاج وأنشدوا لرؤبة:
ووجدوا إخوانهم أيقاظًا

ومثله قوله نجد ونجدان وأنجاد، وهم رقود أي نائمون وهو مصدر سمي المفعول به كما يقال قوم ركوع وقعود وسجود يوصف الجمع بالمصدر، ومن قال إنه جمع راقد فقد أبعد لأنه لم يجمع فاعل على فعول، قال الواحدي: وإنما يحسبون {أَيْقَاظًا} لأن أعينهم مفتحة وهم نيام وقال الزجاج لكثرة تقلبهم يظن أنهم أيقاظ، والدليل عليه قوله تعالى: {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} واختلفوا في مقدار مدة التقليب فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن لهم في كل عام تقليبتين وعن مجاهد يمكثون على أيمانهم تسع سنين ثم يقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودًا تسع سنين وقيل لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء.
وأقول هذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها، ولفظ القرآن لا يدل عليه، وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما فائدة تقليبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا تبليهم.
وأقول هذا عجيب لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم مدة ثلثمائة سنة وأكثر فلم لا يقدر على حفظ أجسادهم أيضًا من غير تقليب؟ وقوله: {ذَاتُ} منصوبة على الظرف لأن المعنى {نقلبهم} في ناحية {اليمين} أو على ناحية {اليمين} كما قلنا في قوله: {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين} وقوله: {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} قال ابن عباس وأكثر المفسرين قالوا إنهم هربوا ليلًا من ملكهم، فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ومعه كلبه، وقال كعب مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه فعاد ففعلوا مرارًا، فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباء الله فناموا حتى أحرسكم، وقال عبيد بن عمير كان ذلك كلب صيدهم ومعنى: {باسط ذِرَاعَيْهِ} أي يلقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين، ومنه الحديث في الصلاة: «أنه نهى عن افتراش السبع وقال: لا تفترش ذراعيك افتراش السبع» قوله: {بالوصيد} يعني فناء الكهف قال الزجاج الوصيد فناء البيت وفناء الدار وجمعه وصائد ووصد، وقال يونس والأخفش والفراء الوصيد والأصيد لغتان مثل الوكاف والإكاف، وقال السدي: {الوصيد} الباب والكهف لا يكون له باب ولا عتبة وإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت، ثم قال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} أي أشرفت عليهم يقال اطلعت عليهم أي أشرفت عليهم، ويقال أطلعت فلانًا على الشيء فاطلع وقوله: {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} قال الزجاج قوله: {فِرَارًا} منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت: {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي فزعًا وخوفًا قيل في التفسير طالت شعورهم وأظفارهم وبقيت أعينهم مفتوحة وهم نيام، فلهذا السبب لو رآهم الرائي لهرب منهم مرعوبًا، وقيل: إنه تعالى جعلهم بحيث كل من رآهم فزع فزعًا شديدًا، فأما تفصيل سبب الرعب فالله أعلم به.
وهذا هو الأصح وقوله: {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} قرأ نافع وابن كثير لملئت بتشديد اللام والهمزة والباقون بتخفيف اللام، وروى عن ابن كثير بالتخفيف والمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة، قال الأخفش الخفيفة أجود في كلام العرب، يقال: ملأتني رعبًا، ولا يكادون يعرفون ملأتني، ويدل على هذا أكثر استعمالهم كقوله:
فيملأ بيتنا أقطًا وسمنًا

وقول الآخر:
ومن مالىء عينيه من شيء غيره ** إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

وقال الآخر:
لا تملأ الدلو وعرق فيها

وقال الآخر:
امتلأ الحوض وقال قطني

وقد جاء التثقيل أيضًا، وأنشدوا للمخبل السعدي:
وإذا قتل النعمان بالناس محرما ** فملأ من عوف بن كعب سلاسله

وقرأ ابن عامر والكسائي رعبًا بضم العين في جميع القرآن والباقون بالإسكان. اهـ.